عودة إلى قوة الصغر

الصغير خلاب


بقلم: كيرت جابريلسون


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Small Is Fabulous في عدد مارس-أبريل 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


وصف الخبير الاقتصادي إرنست شوماخر في كتابه «الصغير جميل»، الذي نُشر عام 1973، كيف يمكن للأنظمة الاقتصادية الصغيرة أن تحقق تنمية هادفة ومستدامة. وعند الإشارة إلى المراكز العلمية بأنها صغيرة فمن شأن ذلك أن يعني أنها بذات القدر من الجمال. الواقع أن المراكز العلمية الصغيرة رائعة ومتعددة الأوجه؛ فيمكنها أن تكون فعالة من حيث التكلفة، ومستجيبة للغاية للمجتمعات، ويمكن تحديثها بسهولة، والأفضل من ذلك كله، يمكن الوصول إليها بشكل فائق.

لقد أسست ورشة عمل علمية مجتمعية في واتسونفيل بولاية كاليفورنيا وأدرتها لأكثر من عقد من الزمن، مستمتعًا بصغر حجمها بشكل يومي. ما هي ورشة العمل العلمية المجتمعية بالضبط؟  إنها مساحة عامة تقع مباشرة على مسار حركة مهم لأطفال المجتمع. تتمثل مهمة الورشة في «توسيع المعرفة والتفكير والخيال، باستخدام أدوات الاكتشاف وأشياء لاكتشافها». وهذا يتطلب أكوام من الخردة المثيرة للاهتمام. المساحة عكس المركز العلمي التقليدي؛ فغالبًا ما تكون ورش العمل العلمية المجتمعية عبارة عن متجر مع قليل من المعروضات حول الحواف، ومزينة بالحيوانات والكتب المرجعية ذات الصلة وحديقة. يبني المشاركون الأشياء الخاصة بهم ويعبثوا بالمعروضات للحصول على مزيد من الأفكار. ويركز العاملون على طرح الأسئلة ومرافقة الزوار بحماس في العبث نحو أحلامهم. وطاقم العمل هذا – الراشدون والشباب – من أعضاء المجتمع المحلي.

 

دان سودران، «جد» ورش العمل العلمية المجتمعية، مع صخوره وحفرياته وكتبه العلمية في ورشة العمل العلمية بميشين في سان فرانسيسكو.
تصوير كيرت جابريلسون.

 

رؤية ورشة العمل العلمية المجتمعية

بدأ دان سودران، مؤسس ورش العمل العلمية المجتمعية، على نطاق صغير جدًّا؛ فكان المقر الأصلي لورشة العمل العلمية المجتمعية مرآبه الخاص في مقاطعة ميشين في سان فرانسيسكو. ولم يكن مرآبًا عاديًّا؛ فكان يعجُّ بالذبذبات والصخور والحفريات والعظام والنباتات، بالإضافة إلى مجموعة كاملة من الأدوات القديمة. وسرعان ما تلقى دعمًا مؤسسيًّا، فأنشأ شبكة تضم نحو عشر ورش عمل علمية مجتمعية.

أعلنت مدينة سان فرانسيسكو يوم 27 أكتوبر 2016 «يوم ورشة العمل العلمية بميشين» تكريمًا لربع قرن من التميز الذي قدمه سودران من خلال ورش العمل العلمية المجتمعية. (على الرغم من أن شبكة ورش العمل العلمية المجتمعية الرسمية لا تعمل حاليًّا، فإن المواقع في سان فرانسيسكو وفريزنو وواتسونفيل وجرينفيلد لا تزال مرتبطة جيدًا وتنمو.)

من المهم أن ندرك أن سودران لم يحاول تكبير الأمر على الإطلاق؛ فلم يكن لديه أكثر من 2500 قدم مربع (232 مترًا مربعًا) من المساحة وعشرة عاملين. ومع ذلك فقد خدم عشرات الآلاف من الأطفال وأعضاء المجتمع كل عام. ونفعل الشيء نفسه اليوم في واتسونفيل بأقل من  1000 قدم مربع (93 مترًا مربعًا) من المساحة. فلدينا وحدات وبرامج متنقلة تخدم 15 مدرسة محلية وثمان متنزهات ومراكز مجتمعية محلية؛ ولكن لكل مساحة صغيرة، وكل برنامج معزة خاصة.

عملت ورش العمل العلمية المجتمعية تلك بقوة لعقد ونصف عقد كامل قبل الهمهمات الأولى حول مساحات الصناعة. هذا يثبت أنه من الممكن بنسبة 100٪ الحصول على مساحة مجتمعية رائعة ترتكز على الأطفال وتعج بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات بدون طابعات ثلاثية الأبعاد أو روبوتات. وهذا لا يعني أن المراكز التي تضم تلك العناصر تسير في مسار خاطئ، ولكن يجب أن تبقى الأولويات في نصابها الصحيح. فأولوياتنا في ورش العمل العلمية المجتمعية هي في الواقع المجتمع-العمل-العلم: المجتمع أولًا، ثم وليمة عالمية غنية بالأدوات ثانيًا، والعلوم أخيرًا كطريقة جذرية لربط الأطفال وعائلاتهم بالكون. على الجانب الآخر، إذا كان مركزك مدفوعًا بشكل أساسي بسحر التكنولوجيا الحديثة، فهناك احتمال كبير أنك تتجاوز المجتمع، وربما تتجاوز الكون كذلك. عليك أن تظل صغيرًا حتى لا يفوتك الكون!

 

الثعابين وكائنات أخرى مثيرة للاهتمام هي محط كثير من الاهتمام في مقر ورشة العمل العلمية المجتمعية في جرينفيلد، بولاية كاليفورنيا.
تصوير كيرت جابريلسون.

 

من واتسونفيل إلى تيمور-ليشتي

في عام 1999، حصلت دولة صغيرة في جنوب شرق آسيا تدعى تيمور-ليشتي على الاستقلال أخيرًا من الاحتلال الوحشي من قبل الجيش الإندونيسي، الذي دعمته الحكومة الأمريكية بالكامل. وعلى مدار السنوات الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي قمت بالعمل التضامني من أجل تيمور-ليشتي من الولايات المتحدة؛ فشعرت بمسؤولية الذهاب والمساعدة في إعادة البناء بمجرد أن تحرر التيموريون. لقد عشت الآن هناك بشكل متقطع لما مجموعه 11 عامًا؛ حيث ساعدت في بناء خمسة مراكز علمية صغيرة في جميع أنحاء البلاد، وأربعة أخرى قيد التطوير. وتدعى تلك «كنوا براتيكا» knua pratika (KP)، أي مكانًا لأي شيء عملي، أو قائم على الاستفسار، أو تجريبي، أو متعلق بالتنكرة. مثل ورش العمل العلمية المجتمعية، تعمل مساحات كنوا براتيكا كموارد مجتمعية قيمة للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات للأطفال؛ كما تكمل منهج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات في المدارس المحلية، الذي غالبًا ما يكون تجريديًّا ومنفصلًا عن التجربة الحياتية للأطفال. فوجدنا أن ما يحتاج إليه هؤلاء الأطفال بشدة ليخطوا داخل المجالات العلمية هو المذاق الحلو لتناوله، وتجربته، والبحث عن الإجابات بأنفسهم، وليس مزيدًا من الطباشير والكلام، أو المحاضرات والاستماع. هكذا فإن المشروعات والمعروضات في كنوا براتيكا تستند إلى احتياجات ورغبات المجتمعات المحلية، وتوفر التجربة الكاملة لعمل العلوم، والرياضيات، والهندسة، إلى جانب توصيل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات بطرقٍ ذات معنى.

 

طلاب جامعيون يراقبون تشغيل مقطرة تصنع نبيذ النخيل في كنوا براتيكا المركزية
في ديلي بتيمور-ليشتي.

تصوير كيرت جابريلسون.

 

تصطف المعروضات على جدران المركز العلمي
في دير دريبونج في لاسا بالتبت.
تصوير جوستافو هيرنانديز

 

التنكرة مع التبتيين

في أثناء وجودي في آسيا، أتيحت لي أيضًا فرصة السفر عدة مرات إلى الهند والمساعدة في تقوية المراكز العلمية الصغيرة التي تقع في الأديرة البوذية التبتية. فيتعلم رهبان التبت المنفيون العلم مع الدين، ويفكرون مليًا في الروابط والتداخلات. ومثل ورش العمل العلمية المجتمعية

وكنوا براتيكا، فإن هذه المراكز هي جزر تعليمية غنية بالحرية والمرونة. فتوفر الأديرة مساحة ليس فقط لدورات العلوم الرسمية، ولكن أيضًا لورش التنكرة. ويمكن للطلاب المحليين وغيرهم من أعضاء المجتمع التنزه في أثناء الساعات المفتوحة، وعمل ما يحلو لهم باستخدام الأدوات والمواد المتاحة التي غالبًا ما تكون معادة التدوير، وذلك بمساعدة الرهبان والراهبات العاملين في المكان. فيُلعب بالمعروضات حتى تنكسر، ثم تُصلح؛ ولا يتم تجاهل أي سؤال. فالأولوية للتعلم من خلال وسائل الاستكشاف الذاتي. النتيجة: حب العلم.

 

لا تتوسع؛ بل تكاثر!

عندما سلطت كلمات شوماخر الضوء على جمال الصغر، أثارت الحماس في آلاف نشطاء التنمية. لاحقًا، انتقد بعضٌ كلماته عندما بدأت العولمة تضغط بثقلها على الاقتصاد العالمي. فصاحوا قائلين إن الصغر لا يكفي؛ يجب أن تفكر عالميًّا وأن تصنع أشياء كبيرة بقدر استطاعتك!

أجل، ولكن يمكنك أن تجعل الصغير كبيرًا بقدر ما يحلو لك! في ورش العمل العلمية المجتمعية، لطالما اعتبرنا ذلك عندما يكون العدد كاملًا في مواقعنا ولا يمكننا إدخال طفل آخر. فالجواب ليس التوسع، بل التكاثر: مواقع ملحقة، وبرامج متنقلة، وبرامج الدوام الجزئي المرتبطة في أماكن أخرى شديدة الاحتياج؛ كل هذا يزيد من الوصول مع الحفاظ على كل جواهر الصغر.

الرؤية هي: مساحات بسيطة ومجانية ومرحبة وزاخرة بالعلوم البراقة في كل مجتمع في جميع أنحاء البلاد، في جميع أنحاء العالم، يفتح كل منها أبواب الكون شخصيًّا لكل مشارك؛ حيث يتوافق كل منها على وجه التحديد مع الاحتياجات الدقيقة والمتحولة للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات في تلك المجتمعات، وكل منها مرتبط بشبكة داعمة ومغذية. أعتقد أن الجنة التعليمية ستشبه جدًّا هذه الرؤية. لذا، حافظ على الصغر يا عزيزي! فهو خلاب!


المصادر

:Hub for Community Science Workshops

https://sites.google.com/view/community-science-workshops/home

www.missionscienceworkshop.org

www.timorpratika.wordpress.com

www.scienceformonks.org

Gabrielson, Curt. (2007, Fall). The community science

workshop: a new paradigm for informal education. Hand

to Hand, 21 (3).

https://drive.google.com/file/d/1-kJmuCOGDGeiVaaQvqfWQjfdBcVrjqSj/view


كيرت جابريلسون (curt.gabrielson@gmail.com) أدار ورشة عمل العلوم البيئية في واتسونفيل لمدة 11 عام، ونشر عديد من الكتب حول عمل العلوم بالنفايات، وآخر هذه الكتب كتاب «تنكرة أكثر: يتعلم الأطفال في المناطق الاستوائية عن طريق صنع الأشياء» More Tinkering: Kids in the Tropics Learn by Making Stuff.

 

يشكل التصميم المنظم جيدًّا والجذاب للخردة المثيرة للاهتمام والمثبتات ومواد البناء جوهر ورشة العمل العلمية المجتمعية.
تصوير كيرت جابريلسون.