موازنة المحتوى والتصميم في متحف الغد


بقلم: ألفريدو تيومنو تولماسكيم


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Balancing Content and Design at the Museum of Tomorrow في عدد يوليو-أغسطس 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


 


يحوم الهيكل المعدني المعلق لمتحف الغد فوق الرصيف.
تصوير: متحف الغد

 

يقدم متحف الغد في البرازيل تفاعلًا قويًّا بين المحتوى والتصميم، حاضرًا في شكل بنائه وتصميم معارضه. وفي متحف الغد، ليست الهندسة المعمارية مجرد حاوية للمعارض؛ بل جزءًا أساسيًّا من مفهوم الاستدامة في المتحف، كما أنها تلهم الزوار ليتصوروا عالمًا أوفر صحة. حتى من النظرة الأولى، يبدو المبنى مستقبليًّا – وكأنه متحف من الغد.

بُني متحف الغد في ريو دي جانيرو في العقد الثاني من الألفية، ويُحَلِّق فوق رصيف قديم يبرز مسافة 400 متر (1312 قدمًا) داخل خليج جوانابارا. ويقع في منطقة المرفأ القديم بالمدينة، وهي منطقة تاريخية كانت قد تدهورت وهجرت لسنوات عدة. افتتح المتحف للجمهور في عام 2015 جزءًا من تجديد المنطقة.

استغل مشروع البناء الذي صممه المهندس المعماري الإسباني سانتياجو كالاترافا الجغرافيا المحلية للجمع بين مبادئ الاستدامة والتعايش، وذلك وفقًا للاقتراح المفاهيمي. إنه مبنى قصير نسبيًّا، يبلغ ارتفاعه 18 مترًا (59 قدمًا)، ولا يحجب منظر الخليج لمعالم المنطقة، مثل دير ساو بينتو، وهو مبنى من القرن السابع عشر حُفظ جيدًا على قمة تل صغير.

تصميم المتحف ليس للمحاكاة، بل للتباين. فبينما بُني دير ساو بينتو من الحجر، مثل كتلة صلبة بارزة من الصخر، يبدو المتحف بخصائصه الشبيهة بالمعادن للبقاء والثبات مائعًا وديناميكيًا، مثل كائن حي.

 


مدخل المبنى والنافذة العلوية المستوحاة من شكل نبات البروميلياد مفتوح.
تصوير: متحف الغد

 

التصميم الخارجي

يتكون الجزء الخارجي للمتحف من قاعدة خرسانية تدعم هيكلًا معدنيًّا معلقًا بطول 340 مترًا (1115 قدمًا). يمتد الهيكل المعدني إلى ما وراء حواف القاعدة الخرسانية؛ ليحوم فوق الرصيف بأكمله تقريبًا. ينحدر الهيكل المعدني إلى الأرض عند نقطتين، واحدة على كل جانب من جانبي المبنى، ما يخلق إحساسًا بالتوازن.

هناك 12 مجموعة من الأجنحة المعدنية التي تمثل جزءًا من الهيكل، وهي مرتبة على كل جانب وتتتبع وضع الشمس. ففي الصباح تواجه الشرق، وفي فترة ما بعد الظهر تواجه الغرب، وفي الليل تنخفض. هذه الحركة تذكرنا بزنبق الماء العملاق فيكتوريا آمازونيكا – موطنه الأصلي البرازيل – الذي يفترش الماء ويفتح في أثناء النهار ويغلق في الليل.

علاوة على ذلك، يعطي الهيكل المعدني المعلق الانطباع بأن المبنى ينزلق فوق الأرض، مثل طائر مفتوح الأجنحة. في الجزء العلوي من الهيكل، تعطي الشبكات والأقواس المثلثة انطباعًا بشكل مضفر. هذا الجزء، بالإضافة إلى النافذة الموجودة فوق المدخل الأمامي، مستوحى من نبات البروميلياد، وهو نبات تقليدي في المنطقة أبهر كالاترافا أثناء زيارته الأولى إلى حديقة ريو دي جانيرو النباتية التاريخية.

يشغل الهيكل الخرساني 15٪ فقط من مساحة الرصيف. فيشمل باقي الرصيف مسابح عاكسة تحيط بالمبنى، وحديقة أشجار، وممشى يحيط بالرصيف بأكمله ويحوله إلى امتداد للفضاء الحضري. بالإضافة إلى ذلك، تتيح مسارات المشاة والدراجات التي ترعاها المدينة سهولة الوصول إلى المتحف والمتنزه والعودة منهما.

 

الاستدامة

يعتمد البناء على مبادئ الاستدامة. فتتجلى فكرة الاستدامة في تصميمه العضوي والديناميكي، وفي تكامله مع المناطق الحضرية، وفي الأجهزة التي تتيح توفير المياه والطاقة، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

الأجنحة الإثني عشر التي تتحرك لمواجهة الشمس مغطاة بألواح كهروضوئية تلتقط الطاقة الشمسية؛ فتمتص ما يكفي من أشعة الشمس كل يوم لتأمين نحو 10٪ من الكهرباء التي يستخدمها المتحف. وتضخ المياه الباردة من قاع الخليج لتبريد أنظمة تكييف الهواء، ومن ثم إعادتها إلى الخليج. بالإضافة إلى ذلك، طور نظام لجمع مياه الأمطار ومياه الحمامات ومعالجتها وإعادة استخدامها، ما يقلل بشكل كبير من استهلاك المياه النظيفة. فتمتلأ المسابح العاكسة المحيطة بالمبنى بالمياه المجموعة من الخليج؛ فإلى جانب تشكيلها إطارًا جذابًا يعكس كل من المبنى والأشجار، فإنها تنتج مناخًا محليًّا بدرجات حرارة أبرد. ولا يوجد موقف للسيارات (فقط رف للدراجات)، ما يشجع الزوار على استخدام وسائل النقل العام أو الدراجات. وتتكون الحديقة من نباتات موطنها الأصلي في المنطقة؛ متكيفة مع القرب من البحر، ولا تتطلب كثير من الري.

 


وتكون الأجنحة المعدنية ذات الألواح الكهروضوئية مفتوحة في منتصف النهار.
تصوير: متحف الغد

 


يساعد الهيكل المعدني لمتحف الغد مع الأجنحة المكشوفة والمسابح العاكسة على إنتاج مناخ محلي حول المبنى.
تصوير: متحف الغد

 

التصميم الداخلي

يتكون المبنى من الداخل من طابقين. يضم الطابق العلوي، الذي يبلغ ارتفاعه 10 أمتار (33 قدمًا)، المعرض الرئيسي، بينما يضم الطابق السفلي، الذي يبلغ ارتفاعه 4.5 مترًا (15 قدمًا)، معارض مؤقتة، وشباك التذاكر، ومتجرًا، ومقهى، ومطعمًا، وقاعة محاضرات، ومناطق عمل. يتميز البهو، الذي يبلغ ارتفاعه 15 مترًا (49 قدمًا)، بإضاءة طبيعية وأشكال دائرية تمنح الزوار إحساسًا واسعًا ومذهلًا عند دخولهم المتحف.

 


يوفر تصميم البهو فرصة كبيرة للإضاءة الطبيعية.
تصوير: متحف الغد

 

يحتوي الطابق العلوي، المخصص للمعرض الرئيسي، على معرض مركزي وممرين جانبيين، مرتبة في مساحة مستمرة ومفتوحة. اللافت في الداخل هو السرد: التجارب الموحدة المقدمة للجمهور. ينقسم المعرض الرئيسي إلى خمس وحدات رئيسية، كل منها مخصص لسؤال بشري خالد: من أين أتينا؟ من نحن؟ أين نحن؟ إلى أين نتجه؟ كيف نريد أن نعيش؟ هذه الوحدات غامرة وتهدف إلى الجمع بين التفكير والمنطق مع الشعور والعاطفة. وهذه الأقسام الخمسة التي تشكل الخطاب الأساسي للمتحف ليست منفصلة ماديًّا، بل تتدفق من واحد إلى الآخر، ما يعكس استمرارية الفضاء. مع ذلك، فإن الوحدات نفسها كبيرة بما يكفي لحجب رؤية الزائرين لواحدة من أخرى في أثناء تقدمهم خلالها، ما يجعل مظهر وشكل الوحدة التالية التي يقابلونها مفاجأة. وهناك سيناريو يشير إلى تسلسل التقدم خلال الوحدات، إلا أن الزوار يمكنهم أيضًا تحديد مسارهم الخاص؛ حيث ينحرفون في أي لحظة عن السيناريو المقترح لابتكار احتمالات جديدة.

 


نموذج للوحدات الخمس الرئيسية للمعرض الرئيسي.
تصوير: متحف الغد

 


منطقة البهو – ارتفاعها 15 مترًا (49 قدمًا) – ذات أشكال مستديرة تقدم ترحيبًا رائعًا للزائر.
تصوير: متحف الغد

 

المعرض الرئيسي

يأخذ المسار المقترح الزوار من أكثر الأماكن صلابة وانغلاقًا إلى الجزء الأكثر انفتاحًا وتجريدًا من المعرض. وعلى طول المعرض، تقدم الميزات السمعية والبصرية تدفقًا، مع لحظات أكثر حدة من الإضاءة القوية والصوت ولحظات أخرى أكثر نعومة، ما يحاكي ديناميكيات المقطوعة الموسيقية.

 


يختبر الزوار الساحة المركزية لمرحلة الأنثروبوسين بألواحها الستة.
تصوير: متحف الغد

 

  • الوحدة الأولى – «من أين أتينا؟» – تتعامل مع الخلق ولها الشكل البدائي لبيضة سوداء كبيرة ومغلقة. يوجد في الداخل إسقاط بزاوية 360 درجة حول أصل الكون والمادة والحياة والفكر.
  • الوحدة التالية – «من نحن؟» – تتضمن ثلاثة مكعبات كبيرة، طول كل جانب منها 7 أمتار (23 قدمًا)، وهي توفر معلومات محفزة حول المادة والحياة والفكر بوصفها الأبعاد الثلاثة التي تميز البشرية.

 


يتفاعل الزوار مع مكعب المادة في الوحدة الثانية من المعرض الرئيسي.
تصوير: متحف الغد

 

  • الوحدة الثالثة – «أين نحن؟» – تقع في مركز المعرض وتشمل الأنثروبوسين. وهي قائمة على فكرة أصبحت سائدة بشكل متزايد بين العلماء: أن التأثير البشري الحالي على الكوكب عميق جدًّا ولا رجعة فيه لدرجة أننا الآن في عصر جيولوجي جديد، يتميز بشكل غير متناسب بالوجود البشري. تتكون الوحدة من ست لوحات، ارتفاع كل منها 10 أمتار (33 قدمًا)، تميل فوق مربع مركزي، كما لو كانت تقمع الزائر، ولكن بها فتحة في الأعلى.
  • الوحدة الرابعة – «إلى أين نتجه؟» – ترشد الزوار إلى شكل يشبه الأوريجامي، مفتوح في الأعلى، ويتعامل مع السيناريوهات المستقبلية للمجتمع والكوكب والبشر.
  • الوحدة الأخيرة – «كيف نريد أن نعيش؟» – تشبه بيت اجتماعات يشبه الكوخ. تطلب الوحدة من الزائرين التركيز على تطهير الأفكار والتفكير فيما مروا به. إنه مفتوح تمامًا من الجانبين وفي الجزء العلوي، مما ينقل إحساسًا بالحرية.
  • أخيرًا، يصل الزائر إلى منطقة مفتوحة تمامًا، تتميز بالضوء الطبيعي، بأرضية وجدران مصنوعة من الزجاج. يتيح التصميم للزوار الشعور الدرامي بالارتفاع على المسبح المنعكس بالخارج، مع إطلالات واسعة على خليج جوانابارا وراءه. ثم يخرج الزائرون من هذا الطابق عبر منحدرات طويلة تسمح لهم بإعادة دخول المدينة تدريجيًّا في الخارج.

 


يوحي تصميم الوحدة الأخيرة بوجود كوخ من القش للاجتماعات.
تصوير: متحف الغد

 

من خلال المزج بين العلم والتكنولوجيا والفن، يحول متحف الغد المحتوى العلمي إلى تجربة شعرية ومرحة وجذابة؛ فتتحد الهندسة المعمارية مع علم المتاحف لتقدم تجربة متماسكة للزائر، تحفز التفكير والعاطفة. ويستلهم الزوار المشاركة في موضوع الأسئلة الرئيسية التي تواجه البشرية؛

ففي المتحف أكثر من الغرض الذي صمم من أجله، وقد حقق بالفعل نجاحًا في جذب جمهور متنوع. العدد الكبير من الزوار – أكثر من 3.5 مليون في السنوات الثلاث الماضية – يضم عديدين لم يعتادوا زيارة المتاحف. بناءً على ملاحظات الاستطلاع الإيجابية التي تلقيناها، من الواضح أن المفهوم والهندسة المعمارية وعلم المتاحف كلها تلبي توقعات جيل يبحث عن طرق جديدة للتصور والتجربة غدًا.

 


المبنى مضاء بأكبر قدر ممكن من الضوء الطبيعي، مثل نوافذ أحد المعارض الجانبية التي تواجه خليج جوانابارا.
تصوير: متحف الغد

 


ألفريدو تيومنو تولماسكيم (alfredo.tolmasquim@idg.org.br) مدير التطوير العلمي في متحف الغد في ريو دي جانيرو، البرازيل.