التفكير التصميمي من أجل تجربة مستخدم لا تُنسى


بقلم: دانيال مانينج


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Design Thinking for an Unforgettable User Experience في عدد يوليو-أغسطس 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


 

واجهة مطعم في طوكيو. تصوير: دانيال مانينج

 

لقد كنت في طوكيو مؤخرًا من أجل العمل. ولأنني عاشق الطعام، فإنني أبحث عن كل فرصة لتحويل رحلة عملي إلى تجربة ثقافية أصيلة من خلال تناول ما يتناوله السكان المحليون وأينما يفعلون ذلك. للأسف، أنا لا أتحدث اليابانية على الإطلاق، لذا فإن تناول الطعام في ثقافة بها مجموعة واسعة من المكونات غير المألوفة كان مصحوبًا بقدر من الارتياب. (فقد تعرضت للحرق بسبب «التوفو النتن» في تايوان قبل بضعة أشهر فقط).

تلاشت مخاوفي لحظة دخولي متجر رامين صغير – والرامين نوع من الأطباق اليابانية القائمة على المعكرونة الرفيعة المعروفة بالنودلز – بالقرب من وسط المدينة. فقد رحب بي العاملون الثلاثة بابتسامات وتحية من القلب (وإن كانت غير مفهومة بالنسبة لي)، وأشاروا إلى الآلة حيث يمكنني تقديم طلبي والدفع. احتوت الآلة على صور لأطباق رامين متنوعة وإضافات مختلفة؛ فبينما استغرق الأمر ثانية لتوجيه نفسي، فهمت الأمر بسرعة. بعد الطلب، جلست على المنضدة ووجدت حاوية موضوعة بعناية خلف مقعدي حيث يمكنني تخزين سترتي وقفازاتي.

استخدم أحد العاملين قائمة مصورة أخرى لتأكيد طلبي معي، وفي غضون دقائق كان عامل آخر يصفي الماء بقوة من المعكرونة الطازجة المعدة لي. كانت نودلز الرامين مثالية وكان الحساء مذهلاً؛ وعندما انتهيت، جمعت أشيائي لأغادر. عندما اقتربت من الأبواب، ودعني العاملون وداعًا مؤثرًا (أو على الأقل هذا ما استنتجت أنه يحدث)؛ فأجبت بأفضل ما لدي من «أريجاتو» والتي تعني «شكرًا» باليابانية، وخرجت من الباب مع معدة ممتلئة وذكرى رائعة لتجربة مميزة.

لقد كانت فقرة قصيرة فحسب خلال فترة وجودي في طوكيو، ولكنها برزت بسبب العناية التي وجدت في كل تفاصيل ذلك المتجر. ونتيجة لذلك، أصبحت هذه ذكرى حية للغاية لدرجة أنني اخترت إخباركم عنها بعد مرور أشهر.

قوة الإبداع التطبيقي

إن إنشاء تجربة مستخدم سهلة وممتعة لا تُنسى أمر مهم للمتاحف بأهمية المعروضات نفسها. ففي الواقع، يمكن أن تؤدي تجربة المستخدم السيئة إلى تقويض حتى أكثر المعارض روعة في التصميم. إن توليد تجربة مستخدم إيجابية هو مسعى إبداعي يتم تمكينه من خلال المهارات التي يمكن تعلمها وتقويتها بالاستخدام.

أنا أُدَرِّس الإبداع التطبيقي لمساعدة الشركات والمنظمات غير الربحية على حل أصعب مشكلاتها – مثل تصميم نظام لإدارة آلاف الزوار يوميًّا، أو معرفة كيفية إطعام أطفال مخيم صيفي بسرعة وأمان في فترة ما بعد الظهيرة الحارة، أو إنشاء مساحات تشجع على مشاركة مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة الانتشار. فتستخدم لعديد من المنظمات بشكل طبيعي عامليها المبدعين لتصميم الشعارات أو اختيار الألوان المؤثرة أو كتابة الشعارات الجذابة؛ هذه كلها أمثلة رائعة على الإبداع، ولكن هناك كثير يمكن تحقيقه من خلال التصميم الجيد. ويستخدم نظام الإبداع التطبيقي مهارات إبداعية متشابهة لحل مشكلات واسعة ومعالجة التحديات المعقدة.

 

التفكير التصميمي

إحدى أفضل أدوات الإبداع التطبيقي لتصميم تجربة مستخدم تدعى التفكير التصميم، وهي منهجية تتمحور حول الإنسان ابتكرت في معهد هاسو بلاتنر للتصميم بجامعة ستانفورد، ويعرف أيضًا باسم «دي سكول» d.school. نشأ التفكير التصميمي عند تقاطع الهندسة والعمارة، ولكنه انطلق في تسعينيات القرن الماضي عندما استخدمته شركة التصميم «إيديو» IDEO في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا لتطبيق تقنيات جديدة على احتياجات المستخدمين. وقد كان أحد أكثر منتجاتها المبكرة نجاحًا هو فأرة جهاز آبل الأولى، والتي تسمح للمستخدمين بالتفاعل بشكل حدسي مع أجهزة كمبيوتر ماكينتوش الأولى. كان التصميم الذي ابتكرته شركة إيديو فعالًا للغاية؛ ليظل بدون تغيير نسبيًّا بعد ثلاثين عامًا تقريبًا.

 

خطوات في العملية

قلب التفكير التصميمي هو المستخدم البشري. فيضع التصميم الجيد، سواء كان فأرة أو معرضًا متحفيًّا أو مطعمًا في طوكيو، احتياجات المستخدم أولاً.

ولتحقيق ذلك، فإن الخطوة الأولى في عملية التفكير التصميمي هي «التعاطف» من أجل فهم التجربة من وجهة نظر المستخدم. عادةً ما يبدأ حل المشكلات بتحديد المشكلة، ولكن يعتقد مفكرو التصميم أنه من المستحيل معرفة ماهية المشكلة حتى نفهم ما يستشعره المستخدم ويفكر فيه ويشعر به.

التعاطف يقضي على الغموض. قد تتخيل كيف سيفسر الزوار اللافتات، وتستغل وقت المعلومات في ملاحظة الزائرين وتتبعهم حرفيًّا عبر المتحف؛ فقد لا تدرك مدى صعوبة رؤية العلامات الإرشادية بالنسبة إلى الأطفال أو البالغين قصار القامة لأنها مخفية خلف طابور الأشخاص المنتظرين لاستخدام خريطة المتحف التفاعلية الجديدة. فيدرس مفكرو التصميمات مستخدميهم في بيئة المستخدم: ما الأسئلة التي يسألها الأطفال لآبائهم؟ وهل يعلم الآباء الإجابة؟ وإذا لم يعرفوا الإجابات، كيف ينوون العثور عليها – وهل ينجحون؟

تخبرك مراقبة الزوار بما فعله ضيوفك، ولكن لفهم سبب ذلك، يمكنك إجراء مقابلات معهم: لماذا بحثوا عن اللافتات المعلقة بدلاً من استخدام الخرائط التي طبعتها أو تطبيق الهواتف الذكية؟ ما الذي شجع الأطفال على التوجه مباشرة إلى المعرض في الطابق الثالث بدلاً من البدء في الطابق الأول؟

 

إطار التفكير التصميمي من مدرسة دي سكول بجامعة ستانفورد. يستخدم بموجب ترخيص المشاع الإبداعي 4.0 CC BY-NC-SA 4.0

 

يكرر مفكرو التصميم عملية الملاحظة والمقابلة هذه مع مستخدمين آخرين، في أوقات أخرى من اليوم؛ حتى يفهموا التحديات التي يتعين على المستخدمين التغلب عليها للحصول على تجربة مرضية حقًا. وعندها فقط يحين وقت الانتقال إلى الخطوة التالية «لتحديد» تحدي التصميم.

في مرحلة «التحديد» هذه يطبق مفكرو التصميم التعاطف الذي اكتسبوه بشق الأنفس لصياغة بيان يحدد المشكلة المحددة التي سيعالجونها. فبناءً على الملاحظات والمقابلات، قد يصفوا التحدي المتمثل في «كيف يمكننا القضاء على أي إحباطات لمقدمي الرعاية في أثناء التنقل إلى تفاعليات الأطفال الأكثر شيوعًا لدينا؟» وبوجود المستخدم في مركز تحدي التصميم فإن الملاحظات والمقابلات المكتملة بالفعل توجه التفكير الإبداعي.

 

يوفر إطار التفكير التصميمي بنية جيدة للحفاظ على تجربة المستخدم في المقدمة في أثناء تطبيق الحلول الإبداعية للمشكلات الصعبة.

 

بمجرد تحديد تحدي التصميم، يحين وقت «التفكير»؛ وفي هذه المرحلة يكون الحجم هو الهدف. في أثناء عملية استخراج الأفكار، يطرح كل شيء على الطاولة؛ فتتصادم جميع الأفكار؛ الجامحة، وغير العملية، والمختبرة سابقًا، والجديدة. ومن خلال اختيار عدم الحكم على الأفكار في هذه المرحلة، يكون أعضاء فرق التصميم والتطوير أكثر استعدادًا للمساهمة. فغالبًا ما يلهم أحد عناصر فكرة الجامحة فكرة أكثر منطقية تصبح في النهاية حلاً.

مسلحين بمجموعة واسعة من الأفكار، ينتقل مفكرو التصميم الآن إلى مرحلة «النموذج الأولي». هذه المرحلة تنقل الأفكار من الخيال إلى الواقع. وأفضل النماذج الأولية منخفضة التكلفة وتفاعلية ولكنها مفيدة. كان أول نموذج أولي لجهاز الآيبود iPod مصنوعًا من الورق المقوى برسومات بالقلم الرصاص، ولكنه نقل التصميم الأساسي وأقنع ستيف جوبز بالانتقال إلى الإنتاج. وفي حين أن النماذج بالأحجام الطبيعية رائعة، يمكن أن تتخذ النماذج الأولية عدة أشكال؛ فقد يكون سيناريو لعب أدوار أو رسم فعالاً في مساعدة فريق التصميم على فهم كيفية الحول دون إحباط المستخدم النهائي.

تسمح تجربة نموذج أولي منخفض التكلفة بالفشل السريع؛ فإذا بدت الفكرة أنها لن تمنع الإحباط، يمكن تجاهلها بغض النظر عن الوقت أو النفقات أو السمعة. وإذا لم تنجح أي من الأفكار التي تخيلها الفريق في مرحلة «التفكير» خذ خطوة أو خطوتين إلى الوراء. هل هناك طريقة أفضل لتحديد التحدي؟ هل نحتاج إلى معرفة مزيد عما يسبب الإحباط بالضبط؟ فالتفكير التصميمي عملية تكرارية وليست خطية.

إذا بدا النموذج الأولي واعدًا، فقد حان الوقت للانتقال إلى مرحلة «الاختبار». بينما لا تزال تهدف إلى تحقيق فشل منخفض التكلفة وسريع، إلا أن الاختبارات تكون أكثر دقة قليلاً من النماذج الأولية؛ حيث تختبر بواسطة مستخدمين حقيقيين في بيئة المستخدم. هذا هو الوقت المناسب للمشاهدة والتعلم مرة أخرى: هل يلاحظ المستخدمون أي تغيير؟ هل يتفاعلون مع الحل الجديد بالطريقة التي تخيلتها؟ فيتيح الاستمرار في بناء التعاطف مع المستخدم لفريق التصميم تحسين الحل أو التخلي عنه والبدء من جديد.

 

شحذ مهاراتك

ربما لم يستخدم مالك مطعم الرامين في طوكيو والعاملون به الخطوات الرسمية للتفكير التصميمي لإنشاء تجربة المستخدم الخاصة بي، ولكن المبادئ التي طبقوها يمكن أن تأتي مباشرة من معهد هاسو بلاتنر للتصميم في ستانفورد، والمعروف بـ«دي سكول»، وهو معهد شهير معني بتصميم التفكير.  لقد فهموا كيف سأشعر عند القدوم إلى مطعمهم وتوقعوا التحديات التي سأواجهها هناك؛ وقد ابتكروا حلولًا لمواجهة تلك التحديات حتى لا يصرف أي شيء انتباههم عن مهمتهم الأساسية – تقديم رامين رائع المذاق. يوفر إطار التفكير التصميمي بنية جيدة للحفاظ على تجربة المستخدم في المقدمة في أثناء تطبيق الحلول الإبداعية للمشكلات الصعبة.

وهناك موارد رائعة متاحة من دي سكول على موقع dschool.stanford.edu، بما في ذلك مقاطع الفيديو والتعليمات وأدوار الميسرين والنشرات، بالإضافة إلى اقتراحات لعشرات الكتب لحل أي تحدٍ في التفكير التصميمي. ضع في اعتبارك أيضًا الاستعانة بمُيسِّر مُدرَّب على التفكير التصميمي يمكنه أخذ أي فريق تصميم من البداية إلى النهاية ويقدم تدريبًا مخصصًا للعاملين لتطبيق التفكير التصميمي على التحديات المستقبلية.

بالحفاظ على التركيز على المستخدم وتطوير التعاطف، يكون أي فريق على الطريق إلى إنشاء تجربة تجعل الزائرين يقولون «آريجاتو».

 


دانيال مانينج (danmanning@firepowerconcepts.com) مؤسس «فايرباور كونسبتس (مفاهيم القوى النارية)» Firepower Concepts ويكتب مدونة الإبداع التطبيقي على FirepowerConcepts.com