هل تصدق؟ سبعة أسئلة للطرح حول أي ادعاء علمي


بقلم: بيرل تسلر - 15 ديسمبر 2016.

 

  1. ما الادعاء؟
  1. من يدعيه؟
  1. ما الدليل؟
  1. كيف أتى المدعي بالدليل؟
  1. هل هناك ما (أو من) يعضد هذا الادعاء؟
  1. هل يمكن أن يكون هناك تفسير آخر؟
  1. من الذي يهمه الأمر؟

 

 

يعج عالمنا المشبع إعلاميًّا بالعناوين الصارخة: «العث القاتل يغزو المنازل»، «دواء جديد يبشر بعلاج لداء الزهايمر»، «الخبراء يؤكدون: السماء تسقط».

بعض تلك العناوين يبدو الغرض منها واضحًا، وهو لفت الانتباه وإثارة الفضول؛ ولكن بعضها الآخر قد يبدو حقيقيًّا، وبالأخص إذا بدا أنه مدعوم علميًّا. ولا مفر لنا من التعرض بشكل دوري إلى معلومات علمية صحيحة وغيرها مغلوطة؛ فعادة ما تشبع الادعاءات حول المنتجات المنزلية، والتكنولوجيا، والأدوية، وحتى السياسة بالسلطة المفترضة للبحث العلمي.

الحقيقة غامضة ولا يسهل دائمًا الإلمام بها حتى بالنسبة للخبراء؛ فكيف لنا إذًا نحن غير الخبراء أن نقرر ما نصدق؟

الأسئلة السبعة المطروحة هنا يمكنها مساعدتك على تقدير مدى صحة المعلومات العلمية أينما تظهر. وقد لا تستطيع الحصول على جميع الإجابات – وهذا في حد ذاته قد يخبرنا شيئًا مهمًا – ولكن، إذا استطعت الحصول على جميع الإجابات، فإنك ستكون على الطريق الصحيح للفصل بين الحقائق العلمية والخيال العلمي.

 

  1. ما الادعاء؟

على الرغم من بساطة السؤال، فإن الخطوة الأولى نحو تقدير أي ادعاء علمي هي تحديد ما هو بالضبط.

اقرأ أو أنصت بعناية. ما هو الادعاء تحديدًا؟ أين يقع على الطيف ما بين المحتمل والمستبعد؟ هل تؤكد النتائج المعتقدات القائمة أم تخالفها؟

حاول أن تقرأ بين الأسطر عند تقييم صحة أي ادعاء. اسأل نفسك: ما الذي «لا» يقولونه؟ فالمصدر حسن السمعة سيعترف بأي قطع مفقودة من الأحجية، أو أي مناطق تحتاج إلى مزيد من البحث.

وأخيرًا، لا تنخدع وتخلط بين «العلاقة الترابطية» و«العلاقة السببية». فالعلاقة الترابطية تكون عندما يتغير شيئان معًا؛ وقد تكون العلاقة صدفة، أو قد يكون هناك متغير ثالث يتسبب في التغييرين. في حين أن العلاقة السببية هي علاقة «سبب وأثر» مباشرة بين شيئين.

افترض أنك قرأت أن المعدلات العالية لجرائم العنف ترتبط بزيادة مبيعات المثلجات. فقد ترتبط مبيعات المثلجات بمعدلات جرائم العنف – قد يزيد الاثنان مع احترار الطقس – ولكن من المستبعد جدًّا أن نستنتج أن المثلجات تتسبب في الجريمة. فتستلزم العلاقة السببية أدلة أكبر بكثير من العلاقة الترابطية، ويرجع ذلك في الأساس إلى أنها تستلزم استبعاد جميع المسببات المحتملة الأخرى.

ومشكلة التمييز بين العلاقة الترابطية والعلاقة السببية هي أساس الجدل حول الاحترار العالمي، وهو موضوع «ساخن» مستمر. ففي حين أنه لا يمكن لأي شخص نفي حقيقة ارتفاع درجات الحرارة وانبعاثات الغازات الدفيئة عالميًّا – وهي علاقة ترابطية واضحة – إلا أنه يصعب إثبات العلاقة السببية في مثل هذا النظام المعقد.

 

  1. من يدعيه؟

يقولون إنك بجودة سمعتك... ولكن، من «هم»؟

أي ادعاء لائق يستلزم أن يكون وراءه شخص ما – يفضل أن يكون مصدرًا ذا سمعة طيبة ومن مؤسسة بطيب السمعة نفسها. قد لا تعرف سمعة العالم أو المؤسسة المرتبطة بالادعاء، ولكن على الأرجح يمكنك أن تعرف بالبحث عنها.

وبمجرد أن تتوصل إلى مصدر البحث ومكانه، يمكنك التعمق أكثر لتعرف أين نشر البحث في الأصل. ومعظم الدوريات العلمية المرموقة تكون محكمة؛ أي إن علماء آخرين قرؤوا المقالات ودعموا نشرها بعد تنقيح أي معلومات علمية رديئة.

احذر القصص العلمية التي توجه مباشرة إلى وسائل الإعلام، وهي ما يطلق عليها «علم الخبر الصحفي»؛ فقد تكون خدعة للتحايل على عملية التحكيم العلمي. من الأمثلة سيئة السمعة مؤتمر صحفي أجري عام 1989، أُعلن فيه نجاح الانصهار البارد، ومؤتمر صحفي آخر عام 2002، أُعلن فيه نجاح الاستنساخ البشري؛ وقد كُذبت القصتان في وقت لاحق.

وأخيرًا، لا يضر أبدًا أن تبحث عن الجهة الممولة للبحث. فيجب توخي الحذر أكثر عندما يتعلق الأمر بأبحاث تمولها مصادر ذات مصالح مغطاة (شركات الأدوية ومجموعات الدعوة على سبيل المثال). فبعض المصنعين يروجون الجوانب الإيجابية لمنتجاتهم، بينما يشترون أي أبحاث لا تدعم نتائجهم المرجوة.

 

 

  1. ما الدليل؟

الدليل هو جوهر العلم؛ فيستلزم البحث في أي نتيجة علمية من أي نوع، الرصد والقياس. بشكل مثالي، يكون هذا الرصد والقياس حذرًا ومتكررًا، وهو ما يسمى «الدليل التجريبي».

ويتخذ الدليل أشكالًا عدة؛ لأن البحث نفسه يتخذ أشكالًا متعددة. أحيانًا، قد يظهر الدليل في شكل مصور كرسم بياني؛ فانتبه جيدًا للتسميات والمقاييس على الرسومات البيانية، لأن الأشكال المصورة –مثلها مثل الكلمات – قد تكون مضللة، وقد تروي قصصًا خفية.

في أي شكل يتخذه الدليل فإنه يكون رقميًّا على الأقل جزئيًّا؛ وللأسف، فإنه في اللحظة نفسها التي تظهر فيها الأرقام يبدأ أغلب الناس في عدم الاكتراث. وهذا مؤسف لأن الأرقام (عادة) لا تكذب؛ ولذلك، فإن التحقق من الدليل الحقيقي قد يكون إرشاديًّا للغاية في تقييم أي ادعاء. أولًا، ما كم البيانات التي جمعت؟ ولا تحتاج لدرجة علمية في الإحصاء لتعرف أنه كلما زاد عدد المشاركين في الدراسة، كلما قلت فرصة أن تكون النتائج صدفة.

أحيانًا، قد يصرح بادعاء ما بدون أي أدلة تجريبية؛ فأدرج مثل تلك الادعاءات تحت بند «تكهنات». وفي أحيان أخرى، قد يستند ادعاء ما على دليل محدود أو ضعيف. ففي علم الحفريات على سبيل المثال، حيث تشح العينات المحفوظة من الحياة العتيقة، قد تقوم نظريات بأكملها بشكل غير مستقر على اكتشاف عظمة واحدة. وفي الفيزياء، تعيد نظرية الأوتار تعريف الكون بدون أي أدلة على الإطلاق؛ فتزعم أن كل شيء في الكون ينتج من اهتزازات أوتار دقيقة، ولكن لم يصل أحد إلى كيفية اختبار هذه النظرية للتحقق من صحتها بعد.

 

 

  1. كيف أتى المدعي بالدليل؟

عندما يتعلق الأمر بجمع البيانات، يكون الشيطان في التفاصيل؛ فكيف تجري القياسات تحديدًا، وبأي معدات، وتحت أي ظروف، كل تلك الأمور لها أهمية بالغة.

والمنهجيات لها أهمية؛ ليس فقط في حالات الاقتراع، ولكن أيضًا في كل علم، حتى العلوم «الصعبة»؛ إذ تجرى المقايسات باستخدام معدات تكلفتها مليارات الدولارات. فبغض النظر عن المجال، قد تدعم البيانات المجمعة بطريقة ما نتيجة معينة، في حين تدعم البيانات المجمعة بطريقة أخرى نتيجة مختلفة تمامًا.

ها؟ هذا هو «العلم»، أليس كذلك؟ في الواقع، فإن عملية جمع البيانات مفعمة بالأخطاء. بادئ ذي بدء، لا يوجد قياس محدد، فكل النتائج تحتوي على عامل مراوغ معين لا يمكن تجنبه يسمى الخطأ، وهو نتيجة العيش في عالم غير مثالي وغير دقيق. من ثم هناك احتمالية «الخطأ المنهجي»، وهو عيب في أداة القياس أو منهجه، والذي يشوه البيانات بطريقة أو أخرى. وكذلك، قد تخدع «المتغيرات خارج السيطرة» البيانات؛ وتلك المتغيرات هي العوامل التي تؤثر في النتائج، ولكنها لا تؤخذ في الحسبان، على الأرجح لأنه لا يعلم أحد بوجودها.

لذلك، اسأل نفسك: ما المناهج التي استخدمت لجمع الأدلة لدعم هذا الادعاء؟ وهل تلك المناهج مشروحة أصلًا؟ ولكن احذر، فحتى المناهج التي تبدو معقولة قد تستند على افتراضات زائفة. فقبل مائة عام، أحكم العلماء مناهج لتقدير الذكاء البشري عن طريق قياس حجم تجويف مخ الإنسان، وقد كان منهج القياس سليمًا؛ ولكن الافتراض الأساسي – أن حجم المخ مقياس للذكاء – ما كان سوى هراء.

 

 

  1. هل هناك ما (أو من) يعضد هذا الادعاء؟

لا يعمل أحد – ولا حتى علماء الفيزياء الفلكية – في فراغ. فكل الأبحاث تجرى في سياق ما نعتقد أنه حقيقي في الوقت الحالي، وهذا السياق قد يعطي مصداقية لادعاء ما أو ينزعها منه؛ وكلما كانت النتيجة أحدث وأغرب، زاد عبء الدليل.

كيف يقارن هذا الادعاء بالدراسات الأخرى في الموضوع نفسه؟ هل هناك إجماع في المجال؟ من يختلف، ولماذا؟

العلماء يشكلون مجتمعًا، ومثلما هو الحال في كل المجتمعات، لا يتفق الجميع بشكل مثالي؛ وإن حدث، فإذا أجمع العلماء على شيء واحد، سيكون ذلك هو قابلية إعادة الإنتاج. فلتصديق بحث خاص بشخص ما، يجب أن يستطيع آخرون إنتاج النتيجة نفسها باستخدام الأدوات والتقنيات نفسها.

هل أكد شخص آخر في المجال النتيجة؟ إذا استخدم باحث ما أداة أو تقنية جديدة، هل هناك أدوات أو تقنيات أخرى من شأنها تأكيد النتيجة؟ والبحث في شبكة الإنترنت عن مقالات أخرى حول الموضوع نفسه وسيلة سهلة للعثور على رأي ثانٍ، وفي كثير من الأحيان رأي ثالث ورابع زيادة في التأكيد.

 

 

  1. هل يمكن أن يكون هناك تفسير آخر؟

أحيانًا، لا تكون منهجيات البحث أو البيانات هي المشكلة، ولكن «تفسير» البيانات.

فهي طبيعة البشر أن نرى ما نبحث عنه – سواءً كان موجودًا بالفعل أم لا – وليس أن نرى ما لا نبحث عنه. وتقع الحقيقة العلمية أحيانًا فريسة لتلك الغريزة البشرية؛ عندما يقفز العلماء دون قصد إلى نتائج لا تدعمها أبحاثهم في واقع الأمر.

ومن الأمثلة الكلاسيكية (والحرفية) على مثل تلك «القفزات» المنطقية، قصة عالم التشريح الإيطالي، لويجي جالفاني، الذي غرس عام 1871، خطافًا نحاسيًّا في ساق ضفدع كان يستعد لتشريحه. فعندما رأى الساق تقفز أرجع تلك الظاهرة خطأ إلى «الكهرباء الحيوانية»، وكان ذلك وقتها مفهومًا شائعًا فحواه أن الأنسجة الحيوانية تحتوي على خزان من الكهرباء، وهي التي تمنح الحيوان الحياة.

في واقع الأمر، لم تكن ساق الضفدع التي أنتجت الكهرباء، بل تلامس الخطاف النحاسي والقضيب الحديدي الذي تدلى منه – ولم يصحح هذا الفهم الخطأ إلا بعد سنوات. لم يدرك جالفاني الأمر، ولكنه لم يكتشف دليلًا على «الكهرباء الحيوانية» بالمرة؛ فقد اكتشف البطارية.

في بعض الأحيان يقر الباحثون تفسيرات أخرى لنتائجهم، ولكن الأخطاء كثيرًا ما تنغرس بلا أمل حيث لا يراها أحد (حينها) في النموذج السائد. والعلم كله وقتي بالضرورة؛ فحقائق اليوم تصبح غدًا خيالًا مع استمرار توسعة أدوات القياس الجديدة، والاكتشافات الحديثة، والنماذج المتجددة لمعرفتنا وفهمنا.

 

 

  1. من الذي يهمه الأمر؟

هناك دائمًا من يهتمون بنتائج البحث العلمي – باحثون آخرون في المجال وخارجه، والممولون، والمجموعات المختصة المعنية، والمصنعون، وأي شخص آخر يحتاج للمعلومات لاتخاذ القرارات الشخصية أو السياسية.

وكل الأبحاث تجرى في سياق اجتماعي، ومن شأن هذا السياق أن يكون على الأقل في أهمية الادعاء نفسه. فقد يؤثر الانحياز والميول في إجراء البحث من عدمه، وعلى إعلان نتائجه للجمهور (وكيفية ذلك) أو حجبها، والأكثر أهمية على كيفية «صياغة» النتائج وتفسيرها داخل المجتمع العلمي وخارجه على حد سواء.

من يدعم الادعاء ومن لا يفعل؟ ما هي انحيازاتهم؟ من موَّل البحث؟ ولماذا؟ كن حذرًا للغاية من الأبحاث التي تمولها أو تجريها جهة لها مصلحة.

وأخيرًا، ضع في اعتبارك عامل الضجة؛ فالأخبار الطنانة تزيد المبيعات، وتقع القصص العلمية فريسة سهلة لمن يريدون صنع الجبال من التلال الخلدية. ولا تصدق ظاهر العناوين الرئيسة والعبارات الرنانة؛ فعادة ما يكون للقصة أبعاد أخرى خفية.

 



هذا المحتوى من مصادر «كيف نعرف ما نعرفه؟» من أجل الفهم العام للأدلة العلمية، والذي تحقق بفضل منحة من مؤسسة العلم القومية، بالإضافة إلى كرم مؤسسة جوردون وبيتي موور، ووديعة جيم كلارك لتعليم الإنترنت، ومؤسسة عائلة ماكبين.

 


 

Exploratorium, 2020

by the Exploratorium 2020 ©